أسباب التثاؤب أثناء قراءة القرآن

أسباب التثاؤب عند قراءة القرآن

يُعدّ التثاؤب من الظواهر الجسدية التي يمر بها الإنسان في مواقف متعددة من حياته اليومية، ويُعرف غالبًا كعلامة على النعاس أو التعب. غير أن التثاؤب عند قراءة القرآن الكريم يثير لدى كثير من المسلمين تساؤلاتٍ وتأملاتٍ تتجاوز الأبعاد الجسدية لتصل إلى الجوانب الروحية والنفسية. فهل التثاؤب عند التلاوة يُعد ظاهرة طبيعية؟ أم أن له جذورًا روحية وعلاماتٍ على حضور الشيطان؟ وهل يرتبط بالحالة النفسية أو العضوية للقارئ؟ هذا المقال يسلط الضوء بشكل موسّع وعميق على أسباب التثاؤب عند قراءة القرآن، من خلال الرؤية الإسلامية والنفسية والفسيولوجية.

التثاؤب من منظور شرعي

ورد التثاؤب في النصوص الشرعية في عدة مواضع، وقد فُسِّر على أنه من الشيطان، وورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:

“إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال: (هاه)، ضحك الشيطان منه”.

وفي رواية أخرى:

“التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع”.

تدل هذه الأحاديث على أن التثاؤب ليس مجرد عملية جسدية بحتة، بل إن له بُعدًا شيطانيًا وفقًا للرؤية الإسلامية، لا سيما حينما يحدث في أوقات العبادة والطاعة كالصلاة وقراءة القرآن. وقد فسّر العلماء ذلك بأن الشيطان يحاول إدخال الفتور والكسل على العبد حين يشرع في الطاعة، فيوسوس له ويرهقه جسديًا ليصرفه عن التركيز والخشوع، ومن بين أدواته في ذلك التثاؤب.

الأسباب الروحية للتثاؤب عند قراءة القرآن

1. تأثير الشيطان أثناء العبادة

الشيطان لا يحب أن يرى المؤمن مقبلاً على العبادة، وخاصةً عندما يقرأ كلام الله عز وجل. لذا فإنه يسعى إلى تشتيت ذهن القارئ وإضعاف تركيزه بوسائل متعددة، ومنها التثاؤب. وهذا ما فسّره بعض السلف بأن التثاؤب عند قراءة القرآن هو من الشيطان لأنه يريد أن يقطع سلسلة الخشوع والتدبر في كلام الله.

2. ضعف الحضور القلبي

في كثير من الأحيان، يكون التثاؤب ناتجًا عن غياب القلب أثناء التلاوة، أي أن القارئ يقرأ القرآن دون استحضار قلبه أو وعيه الكامل، فيتحول فعل القراءة إلى حركة روتينية فارغة من المعاني الروحية، فيسيطر الشيطان عليه ويؤثر في كيانه، فيتثاءب.

3. عدم الاستعداد الروحي

التثاؤب قد يكون ناتجًا عن غياب التهيئة الروحية قبل التلاوة، مثل عدم الوضوء، أو الانشغال بأمور دنيوية قبل الشروع في قراءة القرآن. فحين يُقبل الإنسان على كتاب الله دون طهارة ظاهرية أو باطنية، يكون أكثر عُرضة لتأثير الشيطان وأقل استعدادًا للخشوع.

الأسباب النفسية للتثاؤب عند التلاوة

1. الضغط النفسي والإجهاد العقلي

حينما يكون الإنسان مضغوطًا نفسيًا أو مرهقًا ذهنيًا، فإن تفاعله مع القراءة الروحية يتراجع، ويحدث التثاؤب كاستجابة جسدية للإرهاق الذهني. كثير من الأفراد يقرأون القرآن بعد يومٍ طويل من العمل أو التفكير، فيترافق ذلك مع شعور بالتعب، ويظهر التثاؤب كردّ فعل جسدي طبيعي.

2. السرحان وفقدان التركيز

في علم النفس، يُفسر التثاؤب أحيانًا كعلامة على شرود الذهن. فعندما تبدأ الأفكار بالتشتت، يعاني الإنسان من ضعف في التركيز، ويبدأ الجسم بالتثاؤب كآلية لتجديد النشاط الدماغي. وعند قراءة القرآن دون تدبر أو تركيز، قد يتولد هذا النوع من السرحان فيذيله الجسم بالتثاؤب.

الأسباب الفسيولوجية للتثاؤب عند التلاوة

1. نقص الأوكسجين أو زيادة ثاني أكسيد الكربون

تُعد هذه النظرية من أشهر التفسيرات العلمية للتثاؤب؛ إذ يرى بعض العلماء أن التثاؤب يحدث بسبب انخفاض نسبة الأوكسجين في الدم، مما يدفع الجسم إلى التثاؤب لتعويض النقص. وعند القراءة لفترات طويلة دون تنفس عميق، قد يحدث هذا الخلل، فيؤدي إلى التثاؤب.

2. الجلوس لفترات طويلة

حينما يقرأ الإنسان القرآن وهو جالس لفترة طويلة دون حركة، قد تقلّ كمية الأوكسجين الداخلة للجسم، كما قد تبطؤ الدورة الدموية، مما يساهم في الشعور بالخمول والتثاؤب.

3. الساعة البيولوجية للجسم

من المعروف أن الإنسان يمر بدورات من النشاط والخمول خلال اليوم، تسمى بـ “الساعة البيولوجية”. فإذا قرأ الإنسان القرآن في فترة انخفاض النشاط البيولوجي، كأوقات ما بعد الظهر أو قبل النوم، فإن التثاؤب يكون نتيجة طبيعية لتراجع النشاط العصبي والعضلي.

التثاؤب كعلامة على طرد الشيطان

في المقابل، هناك تفسير آخر للتثاؤب عند التلاوة يرى فيه بعض العلماء دلالة على تفاعل الشيطان مع القرآن وعدم تحمّله سماعه، فيبدأ بمضايقة القارئ بالتثاؤب أو الدموع أو الضيق، ليحثّه على التوقف عن التلاوة. ويستشهد هؤلاء على ذلك بأن القرآن له تأثير طارد على الجن والشياطين، لا سيما إذا قرئ بإخلاص وخشوع، فيتضايق الشيطان من استمرار التلاوة ويحاول أن يزعج القارئ.

التثاؤب عند التلاوة في الرقية الشرعية

من الأمور المثيرة للانتباه أن التثاؤب يتكرر بشكل ملحوظ عند قراءة القرآن في سياق الرقية الشرعية، سواء من القارئ أو المريض. وفي هذا السياق، يُنظر إلى التثاؤب كأحد علامات استجابة الجسد وتأثره بالطاقة القرآنية، بل وقد يكون علامة على خروج شيء ضار من الجسد أو بداية تفاعل الجسد مع آيات الشفاء.

وقد وثّق العديد من الرقاة والمختصين في العلاج بالقرآن حالاتٍ يحدث فيها التثاؤب الشديد، وأحيانًا التقيؤ أو الحركات غير الإرادية، وكلها تشير إلى أن التلاوة كانت ذات أثر على الجسد والنفس، مما يبرز الدور الشفائي للقرآن.

ما يُستحب فعله عند التثاؤب أثناء القراءة

1. كتم التثاؤب وعدم إطلاق الصوت

يُستحب أن يُكتم التثاؤب ما استطاع الإنسان، وأن يُغلق فمه، ولا يُصدر صوتًا، كما ورد في الحديث الشريف. وذلك حتى لا يُضحك الشيطان منه، ولا يُضعف هيبة الموقف العبادي.

2. الاستعاذة بالله من الشيطان

عند الشعور بتكرار التثاؤب أثناء التلاوة، يُستحب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم. وقد أشار بعض العلماء إلى أهمية الاستعاذة المتكررة في حال الشعور بالشرود أو الكسل أثناء التلاوة.

3. تجديد النية والحضور القلبي

ينبغي للقارئ أن يستحضر نية التلاوة والتقرب إلى الله، وأن يستحضر عظمة كلام الله، ليعيش التلاوة بروحها، لا بمجرد صوتها. وهذا بدوره يرفع مستوى الخشوع ويقلل من التثاؤب.

4. تغيير الوضعية أو القيام

في حال شعر القارئ بالخمول أو الكسل أثناء التلاوة، فالأفضل أن يغير وضعيته الجسدية، أو أن يقف إن كان جالسًا، أو أن يمشي قليلاً. هذا يساعد في تنشيط الدورة الدموية وتقليل أسباب التثاؤب.

خلاصة مقارنة لأسباب التثاؤب

الاستنتاج العام

التثاؤب أثناء قراءة القرآن ليس ظاهرة عشوائية أو عرضًا جسديًا فحسب، بل هو نتيجة تفاعل بين عدة عناصر: الجسد، والروح، والنفس. وهو قد يكون مؤشرًا على وجود تأثير شيطاني، أو علامة على الإرهاق، أو دلالة على تفاعل الجسد مع القراءة في سياق الرقية الشرعية. ولذا فإن التعامل معه لا يكون فقط عبر النظر الفسيولوجي، بل يجب أن يُنظر إليه من زاوية متكاملة، تشمل التهيئة النفسية والروحية قبل التلاوة، وصدق النية، وحضور القلب، والتعوذ بالله عند الشعور به، مع أهمية فهم سياق حدوثه.

المراجع:

1. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت.

2. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، الرقية الشرعية وأحكامها، مكتبة المعارف، الرياض.